التغيرات النفسية في فترة النفاس، إن الفترة التي تلي الولادة والمعروفة بفترة النفاس قد تكون أشبه بعاصفة عاطفية، فبجانب التغيرات الجسدية الهائلة، هناك عالم كامل من التغيرات النفسية في فترة النفاس التي قد تفاجئكِ.
التغيرات النفسية في فترة النفاس
في هذا المقال، سنستكشف معا طبيعة التغيرات النفسية في فترة النفاس ونفرق بين ما هو طبيعي وما يتطلب انتباها خاصا، ونقدم لكِ استراتيجيات عملية لمساعدتكِ على الإبحار في هذه الفترة الحساسة بأمان وثقة.
لماذا تحدث هذه التغيرات؟
إن الحالة النفسية بعد الولادة لا تتأثر بعامل واحد، بل هي نتاج تفاعل معقد بين عدة عوامل قوية:
- الانقلاب الهرموني: بعد الولادة مباشرة، تهبط مستويات هرموني الإستروجين والبروجسترون بشكل حاد وسريع جدا، وهذا الانخفاض المفاجئ له تأثير مباشر على كيمياء الدماغ والمزاج، بشكل مشابه لما يحدث قبل الدورة الشهرية ولكن بصورة أقوى بكثير.
- الإرهاق الجسدي: جسمك يتعافى من عملية ولادة شاقة، سواء كانت طبيعية أم قيصرية، هذا الإرهاق الجسدي يجعلكِ أكثر عرضة للتقلبات العاطفية.
- الحرمان من النوم: رعاية مولود جديد تعني ليالٍ مقطعة ونوما قليلا، قلة النوم تؤثر بشكل مباشر على الصحة النفسية وتزيد من صعوبة تنظيم المشاعر.
- الضغوط النفسية والاجتماعية: أنتِ الآن مسؤولة عن كائن صغير بالكامل، هذا التحول الهائل في الهوية والمسؤوليات يمكن أن يكون مرهقا ومخيفا، مما يسبب الكثير من التوتر في فترة النفاس.

التفريق بين الكآبة النفاسية واكتئاب ما بعد الولادة
من المهم جدا أن نميز بين الحالات المختلفة التي تقع تحت مظلة التغيرات النفسية في فترة النفاس، لأن طريقة التعامل مع كل منها تختلف.
كآبة ما بعد الولادة
هذه هي الحالة الأكثر شيوعا، وتصيب ما يصل إلى 80% من الأمهات الجدد.
- ما هي؟ هي حالة مؤقتة من تقلبات المزاج بعد الولادة، قد تجدين نفسك تبكين فجأة دون سبب واضح، أو تشعرين بالقلق، أو الانزعاج، أو الإرهاق الشديد.
- متى تظهر؟ تبدأ عادة في اليوم الثاني أو الثالث بعد الولادة وتبلغ ذروتها في اليوم الخامس تقريبا.
- كم تدوم؟ تختفي من تلقاء نفسها خلال فترة قصيرة، لا تتجاوز الأسبوعين.
- كيفية التعامل معها؟ لا تحتاج إلى علاج طبي، ولكنها تتطلب الكثير من الدعم، الراحة، التغذية الجيدة، وقبول المساعدة من المحيطين هي أفضل طريقة لتجاوزها.
اكتئاب ما بعد الولادة
هذه الحالة أقل شيوعا من الكآبة، ولكنها أكثر جدية وتتطلب تدخلا طبيا، اكتئاب ما بعد الولادة ليس مجرد حزن، بل هو اضطراب مزاجي حقيقي.
تتشابه الأعراض في البداية مع الكآبة، لكنها تكون أشد وتستمر لفترة أطول، وتؤثر على قدرتكِ على رعاية نفسك وطفلك، تشمل أعراض اكتئاب النفاس:
- شعور عميق بالحزن، واليأس، والفراغ.
- فقدان الاهتمام والاستمتاع بالأشياء التي كنتِ تحبينها.
- نوبات بكاء شديدة ومتكررة.
- صعوبة في الارتباط بطفلك.
- الانسحاب من العائلة والأصدقاء.
- تغيرات كبيرة في الشهية أو النوم.
- شعور بالذنب، أو عدم القيمة، أو أنكِ أم سيئة.
- قلق شديد ونوبات هلع.
- أفكار مخيفة حول إيذاء نفسك أو طفلك.
إذا كنتِ تعانين من هذه الأعراض، فمن الضروري جدا التحدث إلى طبيبك، أنتِ لستِ مذنبة، وهذه حالة طبية قابلة للعلاج.
ذهان ما بعد الولادة
هي حالة نادرة جدا ولكنها حالة طبية طارئة، أعراضها شديدة وتشمل الهلوسة، الأوهام، الارتباك، ومحاولات إيذاء النفس أو الطفل، تتطلب هذه الحالة تدخلا طبيا فوريا.
كيف أتعامل مع تقلبات المزاج بعد الولادة؟
إن التعامل مع التغيرات النفسية في فترة النفاس يتطلب استراتيجية مزدوجة: العناية الذاتية وطلب الدعم.
الدعم النفسي للأم الجديدة
الدعم هو حجر الزاوية في هذه المرحلة.
- تواصلي مع شريكك: أخبريه بما تشعرين به بصدق، اجعليه شريكا لكِ في هذه الرحلة، ليس فقط في رعاية الطفل ولكن في دعمك أنتِ أيضا.
- اقبلي المساعدة: عندما يعرض عليكِ الأصدقاء أو العائلة المساعدة في الطبخ، أو التنظيف، أو رعاية الطفل لبضع ساعات، قولي نعم.
- ابحثي عن أمهات أخريات: الانضمام إلى مجموعات دعم للأمهات الجدد يمكن أن يكون مفيدا جدا، معرفة أن هناك أخريات يمررن بنفس التجربة يقلل من الشعور بالوحدة.
نصائح عملية للعناية بنفسك
صحة المرأة النفسية بعد الولادة تعتمد بشكل كبير على الرعاية الذاتية الأساسية.
- اجعلي النوم أولوية: قد يبدو هذا مستحيلا، لكن نامي عندما ينام طفلك هي ليست مجرد مقولة، بل هي ضرورة، حتى القيلولة القصيرة يمكن أن تحدث فرقا كبيرا.
- التغذية السليمة: حاولي تناول وجبات صحية ومتوازنة، انخفاض سكر الدم يمكن أن يزيد من تقلب المزاج، احتفظي بوجبات خفيفة صحية بجانبك.
- الحركة اللطيفة: بمجرد أن يسمح لكِ الطبيب، اخرجي للمشي في الهواء الطلق، الحركة الخفيفة تحسن المزاج بشكل كبير.
- خصصي وقتا لنفسك: حتى لو كانت 15 دقيقة فقط في اليوم لأخذ حمام دافئ، أو قراءة بضع صفحات من كتاب، أو الاستماع إلى موسيقاك المفضلة، هذا الوقت لكِ وحدك ضروري لإعادة شحن طاقتك.
متى يجب طلب المساعدة الطبية؟
من المهم جدا معرفة متى تتجاوز التغيرات النفسية في فترة النفاس حدودها الطبيعية، يجب عليكِ الاتصال بطبيبكِ إذا:
- استمرت أعراض الكآبة لأكثر من أسبوعين.
- أصبحت الأعراض تزداد سوءا بدلا من أن تتحسن.
- وجدتِ صعوبة في أداء مهامك اليومية أو رعاية طفلك.
- بدأت تراودكِ أفكار حول إيذاء نفسك أو طفلك.
طلب المساعدة هو علامة قوة وليس ضعفا، هناك علاجات فعالة جدا لـ اكتئاب ما بعد الولادة تشمل العلاج النفسي والأدوية الآمنة مع الرضاعة الطبيعية.
عزيزتي الأم، إن فترة النفاس هي فترة انتقالية بكل المقاييس، امنحي نفسكِ الرحمة والصبر اللذين تمنحينهما لطفلك، التغيرات النفسية في فترة النفاس هي جزء حقيقي من هذه التجربة، والاعتراف بها والتعامل معها بحكمة هو مفتاحكِ للاستمتاع برحلة الأمومة.
نحن هنا في عيادتنا ندعمكِ في كل خطوة، لا تترددي في التحدث معنا عن مشاعر الأم بعد الولادة، فنحن هنا لنقدم لكِ الرعاية الطبية والدعم النفسي الذي تستحقينه، أنتِ تقومين بعمل مذهل، حيث أن الأم السعيدة هي أساس أسرة سعيدة.
تعرفي على تفاصيل عملية رفع المثانة مع د. حنان الغوابي استشارية النساء والتجميل النسائي.